.قصة وعبرة 

أذكر جيدًا طفلًا في العاشرة كنتُ أحفظه بالمسجد، وكان جميلًا رقيقًا، لا يحب الخوض فيما لا يخصه، في يوم طلبتُ منه أن يحكي لي شهادته في مشكلة حدثت بين رفقائه في الحلقة؛ فأقسم لي أنه كان ساكتًا بجانبهم يشغل عقله في التفكير بمطبخ أمه وماذا ستصنع على الغذاء حتى لا يسمع حديث أحد لا يصح له سماعه،
يومها تعلّمتُ منه درسًا جميلًا جدًا،
مضت الأيام وفي طريقي للمسجد وقف أمامي رجل يبيع خيطًا ومعه الإبرة، لم أكن أحتاج الخيط لكن مع ذلك وقفتُ واشتريتُ وصعدت للمسجد،
بدأنا الحلقة وأتي الأطفال وكان فيهم الطفل الرقيق، وقف عندي وهو يتلفّت حوله وقال في أذني بخجل ودموعه تسبقه..
تمزّق بنطالي من الخلف وانا أصعد على السلم، سينكشف كل شيء.. كيف سأتصرّف؟!!! 
فتحت حقيبتي بسرعة لأتأكد أن الخيط الذي اشتريتُ حقًا معي؛
نظرتُ له بصدمةٍ ودموعي تنساب في صمت..
لم أنتبه لنفسي إلا وأنا أعانق الطفل وأقول له..
مستورٌ أنت يا فتى والله.. مستور!
ذهبتُ به إلى الحمام، خلع بنطاله وأعطاه لي وانتظرني حتى خيطته له وأعدته.

هذا الطفل كان يستر أصحابه ولا ينظر لعيوبهم حتى لا تقع في نفسه؛
فكيف عامله الله؟!
ستره كما سترهم، وجزاه بإحسانه إحساناً.

في مجتمعاتنا مثل قديم يقول..
 اعمل الخير وارميه في البحر
كدلالة على أن الخير نفعله ولا ننتظر الجزاء عليه،
لكن الحقيقة أن نقول..
اعمل الخير وازرعه بالأرض؛
فيخرج ثمرًا مختلفًا ألوانه فيه نفعٌ للناس.


رضي الله عنا وعنكم أجمعين، 
وجعلنا وإياكم من أهل الإحسان..
آمين آمين آمين

#قلبي_قال
قصة وعبرة
رسائل قصص وعبر

.قصة وعبرة أذكر جيدًا طفلًا في العاشرة كنتُ أحفظه بالمسجد، وكان جميلًا رقيقًا، لا يحب الخوض فيما لا يخصه، في يوم طلبتُ منه أن يحكي لي شهادته في مشكلة حدثت بين رفقائه في الحلقة؛ فأقسم لي أنه كان ساكتًا بجانبهم يشغل عقله في التفكير بمطبخ أمه وماذا ستصنع على الغذاء حتى لا يسمع حديث أحد لا يصح له سماعه، يومها تعلّمتُ منه درسًا جميلًا جدًا، مضت الأيام وفي طريقي للمسجد وقف أمامي رجل يبيع خيطًا ومعه الإبرة، لم أكن أحتاج الخيط لكن مع ذلك وقفتُ واشتريتُ وصعدت للمسجد، بدأنا الحلقة وأتي الأطفال وكان فيهم الطفل الرقيق، وقف عندي وهو يتلفّت حوله وقال في أذني بخجل ودموعه تسبقه.. تمزّق بنطالي من الخلف وانا أصعد على السلم، سينكشف كل شيء.. كيف سأتصرّف؟!!! فتحت حقيبتي بسرعة لأتأكد أن الخيط الذي اشتريتُ حقًا معي؛ نظرتُ له بصدمةٍ ودموعي تنساب في صمت.. لم أنتبه لنفسي إلا وأنا أعانق الطفل وأقول له.. مستورٌ أنت يا فتى والله.. مستور! ذهبتُ به إلى الحمام، خلع بنطاله وأعطاه لي وانتظرني حتى خيطته له وأعدته. هذا الطفل كان يستر أصحابه ولا ينظر لعيوبهم حتى لا تقع في نفسه؛ فكيف عامله الله؟! ستره كما سترهم، وجزاه بإحسانه إحساناً. في مجتمعاتنا مثل قديم يقول.. اعمل الخير وارميه في البحر كدلالة على أن الخير نفعله ولا ننتظر الجزاء عليه، لكن الحقيقة أن نقول.. اعمل الخير وازرعه بالأرض؛ فيخرج ثمرًا مختلفًا ألوانه فيه نفعٌ للناس. رضي الله عنا وعنكم أجمعين، وجعلنا وإياكم من أهل الإحسان.. آمين آمين آمين #قلبي_قال قصة وعبرة

تم النسخ
المزيد من حالات قصص وعبر

*مات أخوك ذو البجادين فنظرت إلى أبو بكر وقلت أتترك رسول الله يحفر وتقف أنت بالسراج فقال ؛ أبىٰ النبي إلا أن يحفر له قبره بنفسه .. فحفر النبي بيديه قبر ذي البجادين ثم نزل إلى القبر وإضجع فيه بجسده الشريف ليكون القبر رحمة لذي البجادين ثم قام ورفع يديه إلى أبو بكر وعمر وقال ؛ إدنيا إليّ أخاكما و رفقاً به إنه والله كان يحب الله ورسوله..* *و يقول عبد الله بن مسعود: فرأيت النبي يحتضن الجثمان بشدة ودموعه تسقط على الكفن وكبر أربع تكبيرات و قال ؛ رحمك الله يا عبد الله كنت أواباً ، تالياً للقرآن ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : آللهم إنني اشهدك أنني أمسيت راضياً عن ذي البجادين فارض عنه..* *يقول عبد الله بن مسعود ؛والله لقد تمنيت يومها أن أكون أنا صاحب الحفرة من كثرة الرحمات التي ستتنزل عليه فى هذه الليلة..*

*من هو ذي البجادين .؟* *هـو رجل حفر النبي صل الله عليه وسلم قبره بيده ورفض أن يشاركه أحد فى حفر القبر ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبر واضجع فيه بجسده الشريف ليكون القبر رحمة عليه *كان إسمه قبل أن يُسلِم عبد العُزىٰ المُزني نسبةً لمدينته مُزينه* أسلم وعمره ١٦ عاماً وتوفي وهو ٢٣ عاما وكان شاباً غنياً ومُنعماً جداً فى حياته توفت أمه وأبوه وهو صغير فرباه عمه .. *كان شاباً مُميزاً جداً بين الشباب بملابسه الغالية والجميلة والتي يؤتىٰ بها من الشام خصيصاً من أجله وكان الشاب الوحيد الذي يملك فرسا في وقت كان فيه أفضل شابٍ في مُزينة يملك بغلة صغيرة وكان عمه من سادة مُزينة.. قصة إسلامه من أجمل قصص إسلام الصحابه وأغربها .. *فحين تم عبد الله ١٦ عاماً كان ذلك الوقت الذى يُهاجر فيه الصحابة من مكة إلى المدينة* *و كانوا يمرُّون على مُزينة فى طريق هجرتهم* *و يمرُّون مسرعين جداً لأن كفار قريش يلحقون بهم..* *فقابله يوماً أحد الصحابة فى أثناء هجرته وعرض عليه الإسلام فأسلم فوراً وبعد أن أسلم طلب منهم أن يُعلموه شيئاً من القرآن فقالوا .. ؛* *لن نستطيع أن نظل معك لأن قريش تلحق بنا ولكن إن شئت فإلحق بنا فى الطريق لتتعلم القرآن فكان يسير خلفهم مشياً على الأقدام يقرأؤن القرآن وهو يقرأ وراءهم مسافة ١٥ كيلو فى الصحراء ثم يرجع إلى مُزينة ويعود فى اليوم التالي يقف على حدود مُزينة ينتظر أن يمر صحابي فى طريق هجرته فيقول له علمني من القرآن ويقرأ عليه ما حفظه فى اليوم السابق حتى تعلَّم أكثر من سورة من القرآن ..* *فجاءه يوماً أحد الصحابة فقال له ؛ ولمَ لا تُهاجر معنا إلى رسول الله فقال له ؛ * *لا أُهاجر قبل أن يُسلم عمي فهو من رباني ولن أُهاجر قبل أن آخذ بيده للإسلام..* *فظل فى مُزينة ثلاث سنوات يُخفي إسلامه وظل يتحين أي فرصة للحديث مع عمه ليُخبره عما وصل إليه من هذا الدين الجديد الذى جاء به محمد وذلك كل يوم وكان عمه يرفض رفضاً شديداً أن يستمع لما سيقول وكان إن أراد أن يُصلي ذهب بعيداً فى الصحراء حتى لا يراه أحد وبعد أن مرت ثلاث سنوات على هذا الحال ذهب إلى عمه وقال لقد تأخرت علي فأخرتني عن رسول الله يا عمي وما عُدت أُطيق فراق النبي وإنني أريد أن أُخبرك بأني منذ ثلاث سنوات وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإنني الآن مهاجر إلى رسول الله وأُحب أن تكون معي فإن أبيت فلن يردني عن الهجرة إليه شيء فغضب عمه غضباً شديداً وقال لإن أبيت إلا الإسلام جردتك من كل ما تملك ..* *فقال يا عمي إفعل ما شئت فما أنا بالذي يختار على الله ورسوله شيئاً فقال إن أصررت جردتك حتى من ملابسك التي عليك وقام فمزق له ملابسه التي كان يرتديها فقال عبد الله والله يا عمي لأُهاجرن إلى رسول الله مهما فعلت بي ..* *وبدأ هجرته وهو شبه عاري فى الصحراء حتى وجد بجادٍ وهو الشوال من الصوف فأخذه وشقه نصفين وربط نصفه على وسطه ونصفه الآخر وضعه على كتفه حتى وصل المدينة فدخل على رسول الله فقال له النبي من أنت فقال أنا عبد العزى فقال النبي ؛ ولم تلبس هكذا فقال لقد أسلمت فجردني عمي من كل ما أملك حتى ملابسي ولم أجد فى طريقي إلا هاذين البجادين ..* *فأتيتك بهما فقال النبي أوفعلت ؟!* *فقال نعم فقام النبي وقال من اليوم أنت عبد الله ذي البجادين ولست عبد العزى فقد أبدلك الله عن هاذين البجادين رداءً فى الجنة تلبس منه حيث تشاء..* *و من شدة فقره سكن فى مساكن أهل الصُفة وهي مساكن للفقراء خلف بيت النبي وتأتي غزوة تبوك وعُمره ٢٣ عاماً فيخرج إلى الغزوة مع النبي ثم يقول يا رسول الله إدعوا الله لي أن أموت شهيداً فيرفع النبي يده ويقول اللهم حرم دمه على سيوف الكفار ..* *فيقول عبد الله ما هذا بالذي أردتُ يا رسول الله فقال النبي ؛* *يا عبد الله إن من عباد الله من يخرج فى سبيل الله فتصيبه الحمى فيموت..* *فيكون شهيداً وإن من عباد الله من يخرج فى سبيل الله فيسقط عن فرسه فيموت فيكون شهيداً ..* *ولعلك تصيبك حمى فتموت فتكون شهيداً..* *ويشهد عبد الله غزوة تبوك مع النبي وينتصر المسلمون .. و في طريق عودتهم بالفعل ُتصيب عبد الله حمّى شديدة ويبدأ يتألم آلام الموت.. * *فيحكي لنا عبد الله بن مسعود قصة موت عبد الله ذي البجادين فيقول كنت نائماً فى ليله شديدة البرد شديدة الظلام وبينما أنا نائم سمعت خارج خيمتي صوت حفر فعجبت من يحفر فى هذا البرد والظلام فاستيقظت وبحثت عن النبي وعن أبي بكر وعمر فى خيمتهم فلم أجدهم *فتعجبت أين ذهبوا فخرجت من خيمتى فإذا أبو بكر وعمر يُمسكان سراجاً والنبي يحفر قبراً فذهبت إليه وهو يحفر فقلت ما بك يا رسول الله.. * *فرفع وجهه الشريف إليّ فإذا عيناه تذرفان الدموع وقال ؛*

قصة وعبرة #راقت_لي 🌹🌹 تنازع الهدهد والغراب يوماً على حفرة ماء، كلٌّ منهما يدّعي بأنّ الحفرة له، واختصما ولم يستطيعا حلَّ الخلاف بينهما. وبعد نزاع طويل، اتفقا على أن يحتكما إلى قاضي الطيور، فذهبا إليه وسردا عليه قصتهما، فطلب منهما البينة؛ فمَن يملك البينة تكن الحفرة من نصيبه، فنظرا إلى بعضهما، والتزما الصمت. وعندما طال صمتهما، علم القاضي بأنه لا بيّنة لواحد منهما على الآخر!! ثم ما كان من القاضي إلا أن حكم بالحفرة للهدهد!!! فقال له الهدهد متعجّباً: لمَ حكمتَ لي بالحفرة أيها القاضي ؟! فرد القاضي قائلاً: لقد اشتهر عنك الصدقُ بين الناس، فقالوا: (أصدقُ من هدهد). فسكت الهدهد للحظة، ثم قال: إنْ كان الأمرُ كما قلتَ، فإني والله لستُ ممن يُشتهَر بصفة ويفعل خلافها، هذه الحفرة للغراب، ولئن تبقى لي هذه الشهرةُ، أفضلُ عندي من ألف حفرة..        🌹#العبرة: #سُمعتك_الطيبة هي رأس مالك، وستعيش أكـثر منك، فتشبث بها وحافظ عليها واجعلها تدافع عنك في حياتك وحتى بعد مماتك..    قصة وعبرة     🌹 #وكُنْ كما قال : قد مات قومٌ وما ماتت شمائلهم وعاش قوم وهمْ في الناس أموات.

قصص الصحابة: قصة الصحابي شارب الخمر: لا ينبغي أبدًا أن تحول المعصية بين العبد وبين خدمة الدين ، وهنا نتكلم عن الصحابي أبو محجن الثقفي وهو فارس عربي من بني ثقيف ولد بالطائف ، وقد أسلم حين أسلمت ثقيف في السنة التاسعة من الهجرة ، كان أبو محجن من أولي البأس ومن أشجع الفرسان وكان شاعرًا مطبوعًا ، إلا أنه كان منهمكًا بشرب الخمر بل أنه أوصي ولده في الجاهلية قائلًا : إذا مت فادفني بجوار كرمة ، والكرمة هي شجرة العنب * فإنها تروي عظامي بعد موتي عروقها ، ولا تدفني في الفلاة * فإنني أخاف إذا مت أن لا أذوقها ، وبعد إسلامه كان يقع في شرب الخمر ويتم جلده مرارًا وتكرارًا . ففي عهد الخليفة أبو بكر تم جلده وفي عهد عمر بن الخطاب تم جلده أيضًا كما نفي إلى جزيرة بالبحر وبعث معه رجل ولكنه هرب منه ، وعندما خرج المسلمون لقتال الفرس في معركة القادسية ، خرج معهم أبو محجن وحمل زاده وبالطبع لم ينسى أن يحمل معه زجاجة الخمر . ولما وصل جيش المسلمين وطلب قائد الفرس رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص ، وبدأت المراسلات بينهم عدة أيام ، اختبأ أبو محجن وشرب الخمر ورآه أحد الجنود ، فأخبر سعد بن أبي وقاص فغضب سيدنا سعد بن أبي وقاص لذلك غضبًا شديدًا . وقال له سنعاقبك عقابًا عظيمًا وهو أن نحرمك من المشاركة في هذه المعركة ، فقد كانت خدمة الدين لدى الصحابة هي أسمى أمانيهم فحزن أبو محجن لاستبعاده عن ساحة القتال حزنًا شديدًا ، وأخبر سعد أن يجلدوه أو يعاقبوه كيفما أرادوا ، ولكن لا يحرموه من المشاركة في تلك المعركة ، فأمر سعد بأن يتم جلده جزاءً لشرب الخمر . وبعد ذلك تم ربطة في خيمة وأغلق عليه ثم بدأ القتال ، ورميت النبال وتسابقت الحتوف وضربت السيوف وتصايح الأبطال وسكبت الدماء ، وأبو محجن يئن بقيده في هذه الخيمة ، يتلفت ويريد أن يقوم من قيده ولكن دون جدوى ، بدأ يصيح وينادي بصوتٍ عالٍ فقد كان يريد خدمة هذا الدين ونيل الشهادة في سبيل الله ، وبدأ يقول : كفي حزنًا أن تدخل الخيل بالقني * وأترك مشدودًا على وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت * مصاريع دوني تصم المنايا يقطع قلبي حسرة أناري الوغى * ولا سامع صوتي ولا يرانيا وأن أشهد الإسلام يدعو مغوثًا * فلا أنجد الإسلام حين دعانيا وقد كنت ذا مال كثير وإخوة * وقد تركوني واحدًا لا أخي ليا وأخذ ينادي بأعلى صوته إلي أن التفتت له زوجة القائد سعد ابن أبي وقاص ، وناشدها بأن تطلق سراحه ليشهد المعركة وأنشد تلك الأبيات قائلًا : سلمي دعيني أرو سيفي من العدا * فسيفي أضحي ويحة اليوم صاديا دعيني أجل في ساحة الحرب جولة * تفرج من همي وتشفي فؤاديا ولله عهد لا أحيف بعهدة * لئن فرجت أن لا ازور الحوانيا وسألها أبو محجن أن تفك وثاقه وعاهدها إن عاش سوف يعود إلى محبسه ، وإن مات فهكذا يكونوا قد تخلصوا منه ، وأخذ يرجوها ويناشدها ففكت قيده وطلب منها فرس سعد بن أبي وقاص ، وكان يسمى البلقاء فلبس درعه وغطى وجهه ، ثم قفز على البلقاء ودخل إلى المعركة وصار يقتل في الكفار يمينًا ويسارًا ويقتحم صفوف الكفار بضراوة منقطعة النظير . وأخذ المسلمون يتعجبون ويقولون من هذا الصحابي الملثم ؟ وقال بعضهم لعله مدد من عمر بن الخطاب ، وقال آخرون لعله ملك من السماء ، وتعجب سعد ابن أبي وقاص أيضًا من أمره فقد كان يشاهد المعركة من مكان عالي جدًا ، ولم يدخل المعركة لأنه كانت بفخذيه قروح شديدة . وظل يشاهد الفارس الملثم من بعيد ويتعجب ويقول : إن كر هذا الفرس هو كر البلقاء والضرب هو ضرب أبو محجن ، ولكن كيف وأبو محجن في الحبس والبلقاء في الحبس أيضًا ، ظل الجميع مندهشين حتى انتهت المعركة وعاد الكفار إلى أماكنهم والمسلمون إلى أماكنهم ، وعاد أبو محجن مسرعًا إلى محبسه ووضع البلقاء في مكانها وربط نفسه كما كان فلما أتى سعد بن أبي وقاص وتوجه إلى فرسه ، فإذا هي ترشح عرقًا ، فتوجه إلى أبو محجن فإذا بأبو محجن تسيل جروحه دمًا ، فقال له سعد أقاتلت ؟ قال أبو محجن نعم قاتلت ، ولك علي عهد الله وميثاقه ألا اشرب الخمر أبدًا ، ليضرب بذلك أروع الأمثلة في الجهاد والرغبة في الموت في سبيل الله

قصص الصحابة: قصة كعب بن مالك: هو كعب بن مالك الأنصاري ، ذلك الطود الشامخ ، الذي جمع بين قوة السنان ، وفصاحة اللسان ، وغزارة الإيمان ، ورقة الوجدان ، من طليعة شعراء العصر الإسلامي الذين حملوا عبء الدفاع بشعرهم عن الإسلام ، فقد عبّر بشعره عن أسمى المعاني الإنسانية التي جاء بها الإسلام ، وصور المجتمع المسلم في أزهى عصوره التاريخية . نسبه وأسرته: هو كعب بن مالك بن أبي كعب ، وهو عمرو بن القـَين بن كعب ابن الأسود بن غنم بن كعب بن سَلِمه ابن سعد بن علي الأنصاري السَلَمي الخزرجي ، لقب بالأنصاري نسبة إلى الأنصار ، وهم الذين نصروا رسول الله صلّ الله عليه وسلم وآووه والمهاجرين . فلقبه هذا إذاً بعد الإسلام ، أما السلمي نسبة إلى بني سلمة من الخزرج ، أما الخزرجي فنسبة إلى قبيلة الخزرج ، والخزرج مع إخوانهم الأوس قد نزلوا يثرب بعد هجرة الأزد من اليمن إثر سيل العرم ، فشاعرنا إذاً يماني الأصل عدناني النشأة . كنيته : أغلب المصادر تشير إلى أنه أبو عبدالله ، ويذكر البعض أنه أبو عبدالرحمن ، وانفرد ابن حجر إلى أنه أبو محمد ، وهم جميعاً أولاده ولكنهم ليسوا من زوجة واحدة ، وإنما كل منهم من زوجة ، ولذلك يجوز أنه كان يُكنى بأكبر أولاده من كل زوجة ، أما عن كنيته في الجاهلية كانت أبا البشير ، فكناه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، أبا عبدالله . والديه: أبوه مالك بن أبي كعب شاعر ، وله في الحروب بين الأوس والخزرج التي كانت بينهما قبل الإسلام آثار ، وأمه ليلى بنت زيد ابن ثعلبة من بني سلمة أيضاً . زوجاته: تزوج كعب بأكثر من واحدة ، على عادة العرب في ذلك الوقت ، وهن : عميرة بنت جبير ابن صخر بن امية ، من بني سلمة ، وأنجب منها عبدالله ، وفضالة ، ووهباً ومعبداً ، وخولة ، وسعاد ، وقد أسلمت عميرة ، وهي أم معبد ، وبايعت الرسول صلّ الله عليه وسلم وصَلّت إلى القبلتين . وصفية ، وهي من أهل اليمن ، وأنجبت له كبشة ، زوجة ثابت بن أبي قتادة الأنصاري ، وأنجبت له عبد الرحمن في عهد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وقد توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك . وتزوج خيرة ويقال حيره ، وكان لها أولاد ، ولكن لم تذكر المصادر أسماءهم ، وقد ذكر الزمخشري أن لكعب بن مالك امرأة ، كانت من المهاجرات السابقات. سيرته : وعدد أولاده المذكورين ثمانية ذكور وثلاث إناث ، وكان أكبر أولاده عبدالله ، أما أصغرهم فهو معبد ، ولكعب بن مالك ، أخ يقال له سهل ، وقد شهد بدراً ، وقتل يوم أحد شهيداً ، وقد اشتهر بيت كعب بالشعر ، كما اشتهر بالعلم والحديث ، فقد روي كعب بن مالك ، عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ثمانين حديثاً . وهو ثقة لدى أصحاب الحديث ، يروى له أصحاب الصحاح والسنن ، وروي الحديث من ولده : عبدالله ، وعبيدالله ، عبدالرحمن ، ومحمد ، وكبشة ، ومعبد ، ووثقهم جميعاً أهل الحديث ، ويذكر أن زوجته خيرة هي الأخرى ممن روى الحديث . ويروى الحاكم عن عبيدالله بن كعب أنه كان من أعلم قومه ، وكان عبدالله بن كعب من أعلم الأنصار ، وعبدالرحمن بن كعب كان ممن يفتي في المدينة من بعد الصحابة ، وعبد الرحمن بن عبدالله بن كعب من فقهاء المدينة البارزين ، وقيل أنه أعلم قومه وأوعاهم . نشأته وإسلامه: بالرغم من أن الشاعر كعب بن مالك له أثر كبير في حياة الإسلام ، فإنه لم ينل من مؤرخي الأدب ما هو جدير به ، فلا يزال الربع الأول من حياته قبل أن يصل حبله بالإسلام غامضاً ، فلا تزال توجد فجوات في حياته لم يعرف عنها أحد شيء ، وإنما ما ذكر وتم توثيقه عنه كان بعد إسلامه . ولد كعب بن مالك عام 26 ق.هـ ، في المدينة المنورة يثرب في إقليم الحجاز ، وقد أسلم كعب مبكراً ، فقد كان من أوائل الأنصار في المدينة ، فما أن وصل نور الإسلام إلى يثرب ، حتى أضاء جوانب نفسه ، وانشرح صدره للإسلام فآمن وصدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، في الوقت الذي لم يكن في المدينة أكثر من أربعين رجلاً من المسلمين ، وصلى الجمعة فيها قبل هجرة الرسول إليها . فروي عن عبدالرحمن بن كعب قال : كنت قائد أبي حين ذهب بصره ، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الآذان بها صلي على أبي أمامة -أسعد بن زرارة ، فقلت : يا أبت مالك إذا سمعت الأذان بالجمعة ، صليت على أبي امامة ؟ فأجابه كعب : أي بني ، فقد كان أول من جمع بنا في المدينة ، في هزم النبيت من حرة بني بياضة ، نقيع يقال له نقيع الخضمات ، فقلت له : وكم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون رجلاً. ولما كانت العقبة الثانية ، توجه كعب مع اثني وسبعين رجلاً وامرأتين ، ممن كانوا من طلائع الإسلام الأولى في المدينة إلى مكة ، حيث وافوا رسول الله صلّ الله عليه وسلم في العقبة ، وبايعوه على الإسلام والإيواء والنصر ، وقد روى كعب بن مالك ، قصة العقبة بأسلوب قصصي ممتع ، وأغلب المصادر تروي قصة العقبة عن طريقه ، وتلك القصة تكشف جوانب من شخصيته ، والدور الذي اضطلع به في خدمة الإسلام ، والدعوة إلى الله . قصة بيعة كعب للرسول في العقبة : قال كعب بن مالك : خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، بالعقبة مع مشركي قومنا ، ومعنا البراء بن معرور ، كبيرنا وسيدنا ، حتى إذا كنا بظاهر البيداء ، فقال : يا هؤلاء تعلمن ظاني قد رأيت رأياً ، والله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا ؟ فقلنا : ما هو يا أبا بشر ؟ فقال : إني قد رأيت أن أصلي إلى هذه البنية ، ولا أجعلها مني بظهر ، فقلنا : لا والله لانفعل ، والله ما بلغنا أن نبينا صلّ الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام . فقال : وإني والله لمصلي إليها، فكان إذا حضرت الصلاة توجه إلى الكعبة ، وتوجهنا إلى الشام حتى قدمنا مكة ، فقال لي البراء : يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا ، فلقد وجدت في نفسي منه بخلافكم إياي ، قال : فخرجنا نسأل رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فلقينا رجلاً بالأبطح . فقلنا : هل تدلنا على محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ؟ فقال : هل تعرفانه إن رأيتماه ؟ فقلنا : لا والله ما نعرفه ولم نكن رأينا رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فقال : هل تعرفان العباس بن عبد المطلب ؟ فقلنا : نعم ، وقد كنا نعرفه ، فقد كان يختلف إلينا بالتجارة . فقال : إذا دخلتما المسجد فانظرا العباس ، فهو الرجل الذي معه. في المسجد : قال : فدخلنا المسجد فإذا رسول الله صلّ الله عليه وسلم والعباس ناحية المسجد جالسين ، فسلمنا ثم جلسنا ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ فقال : نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه ، وهذا كعب بن مالك ، ويقول كعب : فو الله ما أنسى قول رسول الله صلّ الله عليه وسلم : الشاعر؟ فقال : نعم ، فقال له البراء : يا رسول الله إني قد كنت رأيت في سفري هذا رأياً ، وقد أحببت أن أسألك عنه لتخبرني عما صنعت فيه ، قال : وما ذاك ؟ ، قال : رأيت ألاّ أجعل هذه البنية مني بظهر ، فصليت إليها ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها ، فرجع إلى قبلة رسول الله صلّ الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام . البيعة : ثم واعدنا رسول الله صلّ الله عليه وسلم العقبة أوسط أيام التشريق ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً للبيعة ، ونحن ثلاث وسبعون رجلاً للبيعة ، وكان معنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، وإنه لعلى شركه ، فأخذناه ، وقلنا له : يا أبا جابر ، والله إنا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه ، فتكون لهذه النار غداً حطباً ، وإن الله قد بعث رسولاً يأمر بتوحيده وعبادته ، وقد أسلم رجال من قومك وقد واعدنا رسول الله بالعقبة ، فأسلم وطهر ثيابه ، وحضرها معنا ، فكان نقيباً. فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، بمنى أول الليل مع قومنا ، واستقل الناس من النوم ، تسللنا من فراشنا ، تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة ، فأتى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وعمه العباس ، ليس معه غيره ، أحب أن يحضر أمر ابن أخيه. فكان أول متكلم فقال : يا معشر الخزرج ، إن محمداً منا حيث علمتم ، وهو في منعه من قومه وبلاده ، قد منعناه ممن هو على مثل رأينا فيه ، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم ، وإلى ما دعوتموه إليه ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه ، فأنتم وما تحملتم ، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلاناً له ، فاتركوه في قومه ، فإنه الآن في منعه من عشيرته وقومه . فقلنا : قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ودعا إلى الله عز وجل ، وتلا القرآن ،ورغب في الإسلام ، فأجبناه بالإيمان والتصديق له ، وقلنا له : يا رسول الله ، خذ لربك ولنفسك ، فقال : إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم ز فأجابه البراء وقال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ،فنحن والله أهل الحروب،وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر ، فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول الله ، إن بيننا وبين أقوام حبالاً ، وإنا قاطعوها ، فهل عسيت أن الله أظهرك أن ترجع إلى قومك ؟ فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : بل الدم بالدم ، والهدم بالهدم ، أنا منكم ، وأنتم مني ، وأسالم من سالمتم ، وأحارب من حاربتم ، فقال له البراء بن معرور : ابسط يدك يا رسول الله نبايعك ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً ، فأخرجوهم له ، وعدد النقباء ، فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فضرب عليها ،و كان أول من بايع ، وتتابع الناس فبايعوا .. ثم قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : ارفضوا إلى رحالكم ، فقال العباس بن عبادة ابن نضلة أخو بني سالم : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : إنا لم نؤمر بذلك ، ارفضوا إلى رحالكم . فرجعنا إلى رحالنا ، فاضطجعنا على فرشنا ، فلما أصبحنا أقبل سادة من عظام قريش ، فيهم الحارث بن هشام ، فتى شاب ، وعليه نعلان جديدان ، حتى جاؤونا في رحالنا ، فقالوا : يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا لتستخرجوه من بين أظهرنا ، وإنه والله ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . فانبعث من هناك من قومنا المشركين يحلفون لهم بالله ما كان من شيء وما فعلناه ، وأنا أنظر إلى أبا جابر عبدالله بن عمرو بن حرام ، وهو صامت ، وأنا صامت فلما تثوّر القوم لينطلقوا ، قلت كلمة كأني أشركهم في الكلام : يا أبا جابر ، أنت سيد من سادتنا ، وكهل من كهولنا ، لا تستطيع أن تتخذ مثل نعليّ هذا الفتى ؟ فسمعه الفتى فخلع نعليه ، فرمى بهما إليّ ، وقال : والله لتلبسهما ، فقال أباجابر : مهلا أحفظت لعمرالله الرجل – يقول أخجلته – اردد عليه نعليه ، فقلت : والله لا اردهما ، فأل صالح والله ، اني لأرجو أن أستلبه . جهاده في سبيل الله : كما حارب كعب بن مالك أعدائه بلسانه ، وذبّ عن الرسول بشعره ، جاهد بسيفه ، حتى شهد له الرسول بذلك حين قال : أنت تحسن صنعة الحرب ، واشترك كعب مع الرسول في جميع المشاهد ، إلا غزوتي بدر وتبوك ، وقيل أنه شهد بدراً. أسباب تخلفه عن غزوة بدر: ولكن نفى كعب هذا الكلام بنفسه قائلًا : لم أتخلف عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم فيغزوة إلا غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ، ولكن لم يكن تخلفه بقصد أو تهاون ، إذ نخلف معه قوم من أصحاب رسول الله ، لم يحسبوا أن المسلمين سيحاربون ، منهم أسيد بن حضير ، وسعد بن عبادة ، ولما رجع رسول الله إلى المدينة ، هنأه أسيد بنصر الله له . واعتذر عن تخلفه وقال : إنما ظننت أنها العير ، ولم أظنك أنك تحارب ، فصدقه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وقال كعب : لقد تخلفت عن غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنها ، إنما خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد . غزوة أحد : ولقد أبلى كعب وقومه من بني سلمة بلاء حسناً يوم أُحُدٍ ، حتى جرح منهم أربعين رجلاً ، وجرح كعب بن مالك يومئذ بضعة عشر جرحاً ، ولم تقعد هذه الجراح كعب وقومه عن متابعة الجهاد في سبيل الله ، إذ بعد أُحُدٍ التي جرحوا فيها بيوم واحد فقط . طلب رسول الله صلّ الله عليه وسلم من المسلمين أن يخرجوا لقتال العدو في غزوة حمراء الأسد ، فوثب المسلمون إلى أسلحتهم ، وما عرجوا على جراحهم ، فصفوا لرسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فلما نظر رسول الله صلّ الله عليه وسلم إليهم والجراح فيهم فاشية ، قال : اللهم ارحم قوم بني سلمة . غزوة تبوك : أما قصة تخلفه عن تبوك ، وتوبة الله عليه وعلى صاحبيه اللذين تخلفا معه ، فقد اشتهرت في التاريخ لما نزل فيها قرآن ، وامتحن فيها كعب وصاحباه امتحاناً عسيراً ، خرجوا منها بتوبة الله ، عليهم وعذرهم . كانت غزوة تبوك في حر شديد ، فأصاب المسلمين الجهد ،حتى سميت غزوة العسرة ، وصفها عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقال :خرجنا مع رسول الله إلى تبوك ، في قيظ شديد ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع . حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء ،فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع ، حتى عن هذه الغزوة بسبب هذا الحر بضعة وثمانون رجلاً من المدينة ، أغلبهم مغموص عليهم في النفاق ، أو ضعيف . أما سبب تخلف كعب مع هؤلاء الضعاف النفوس أو الأجسام ، مع ما هو عليه من قوة الإيمان وجلد الشباب ، فإن ابن هشام يرد ذلك إلى أنه ونفر من المسلمين أبطأت النية بهم عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه ، من غير شك ولا ارتياب ، إذ كانوا نفر صدق ، لا يتهمون في إسلامهم ، ولم أجد ما يصور قصة تخلفه خيراً مما صوره هو بنفسه ، ورواه عنه ابنه عبد الله ، كما ذكر ذلك أغلب أصحاب الحديث والمؤرخين. تخلفه عن غزوة تبوك كما روى كعب بنفسه : قال : كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عن رسول الله في تلك الغزاة ، والله ما اجتمعت عندي راحلتان قط ، حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورّي بغيرها ، حتي كانت تلك الغزوة ، غزاها رسول الله في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً و مفازاً و عدواً كثيراً ، فجلى للمسلمين أمرهم ، أن يتأهبوا أهبة غزوهم ، فأخبرهم بوجهه الذي يريد . والمسلمون مع رسول الله كثير ، فيقول كعب : فما رجل يريد أن يتغيب ، إلا ظن أنه سيخفي له ما لم ينزل فيه من وحي من الله ، وغزا رسول الله تلك الغزوة ، حين طابت الثمار والظلال ، وتجهز رسول الله والمسلمون معه . فطفقت أغدو كي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض شيئاً ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله غادياً والمسلمون معه . ولم أقض من جهازي شيئاً ، فقلت : أتجهز بعد يوم أو يومين وألحقهم ، فغدوت بعد أن فَصَلوا لأتجهز ، ولم أقضِ شيئاً ، فلم يزل ذلك بي حتى أسرعوا وتفرط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلّ الله عليه وسلم فطفت فيهم ، أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغوصاً عليه بالنفاق ، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء . ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب ، فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حبسه برداه ، ونظره في عطفه ، فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله ، قال كعب : فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همي ، وطفقت أتذكر الكذب ، وأقول : بما أخرج من سخطه غداً؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل أن الرسول قد أظل قادماً زاح عني الباطل ، وعرفت أني لم أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت صدقه ، وأصبح رسول الله صلّ الله عليه وسلم قادماً ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ، فيركع فيه ركعتين ، ثم جلس بالناس . الاعتذار وقول الصدق : فلما فعل ذلك جاءه المخلّفون ، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً ، فقبل منهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فجئته ، فلما سلمت عليه تبسّم تبسم المغضب . ثم قال : تعالى ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه : ، فقال لي : ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ فقلت : بلى ، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلاً . ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ، ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ ، وإن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله ، والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ، فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك . فقمت وقام رجال بني سلمة ، فاتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ، لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر اليه المتخلفون ، فقد كان كافيك ذنبك ، استغفار رسول الله صلّ الله عليه وسلم لك . فوالله مازالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقى هذا معي أحد ، قالوا : نعم ، رجلان قالا مثلما قلت ، فقيل لهما مثلما قيل لك ، فقلت منهما ؟ ، قالوا : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمة الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً ، فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما . النهي عن كلام المسلمين معه ومن تخلفا : ونهى رسول الله صلّ الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، وتغيروا لنا ، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف ، فلبسنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاسكتانا فقعدا في بيتهما يبكيان . وأنا فقد كنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا ؟ . ثم أصلي قريباً منه ، فأسارقه النظر ، فاذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار أبي قتادة ، وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي فسلمت عليه ، فوالله مارد عليّ السلام ، فقلت يا أبا قتادة ، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله ، فسكت ، فعاودت أنشده ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيني وتوليت ، حتى تسورت الجدار . مراودة المشركين له : قال فبينما أنا أمشي بسوق المدينة ، إذا بنبطي من أنباط أهل الشام ، ممن قدم بالطعام ليبيعه في المدينة ، يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ ، فطفق الناس يشيرون له،حتى إذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان ، فإذا فيه أما بعد : فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدراً هوان ، ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسيك ، فقلت لما قرأتها : وهذا أيضا من البلاء ، فتيممت بها التنور فسجرته بها . خمسين ليلة : حتى مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يأتني فيقول لي : إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت له : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ ، فقال : بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك ، فتكوني عندهم ، حتى يقضي الله في ذلك الأمر . فلبثت بعد ذلك عشر ليال ، حتى كملت لنا خمسن ليلة ، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، جالس على الحال التي ذكر الله ، وقد ضاقت عليّ نفسي ، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت . البشرى : سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته : أبشر يا كعب بن مالك ،قال : فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء الفرج ، وآذن رسول الله صلّ الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبيّ يبشرون ، وانطلقت إلى رسول الله فيتلقاني الناس فوجاً فوجاً ، يهنؤنني بالتوبة ، حتى دخلت إلى المسجد فإذ برسول الله صلّ الله عليه وسلم جالس وحوله الناس . توبة الله عليه : فلما سلمت على الرسول وهو يبرق وجهه من السرور : أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك ، قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : لا بل من عند الله ،فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي أن انخلع من مالى صدقة إلى الله وإلى رسول الله ، قال صلّ الله عليه وسلم : أمسك عليك مالك ، فهو خير لك ، قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر ، فقلت : يا رسول الله ، إن الله نجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحد من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت لرسول الله أحسن مما بلاني . ذكر توبته في القرآن: وأنزل الله على رسوله الآية القرآنية ، فقال تعالى : { لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } سورة التوبة الآيات 117-118 . يقول كعب : فوالله ما أنعم الله عليّ بنعمة قط ، بعد أن هداني إلى الاسلام ، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ويتجلى في هذه القصة إيمان كعب العميق ، وإسلامه الكامل . وأظهر يتألق حين طمع ملك غسان فيه فأرسل إليه ليفتنه ، ولكن إيمان كعب الصادق ، جعله يرفض بكل إباء العرض الذي قدم إليه ، مفضلاً مرارة العيش التي كان فيها في الاسلام ، على نعيم القصور التي عرضت عليه في الكفر . مع الرسول صلّ الله عليه وسلم : ما من أحد ممن رأى رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلا وأحبه ، وتمنى ألا يفارقه ، وقد أحب كعب بن مالك الرسول صلى الله عليه وسلم من قلب مؤمن ، وطبع غير متكلف ، وصاحبه في السلم و الحرب. وتظهر صورة من هذا الحب في بعض المواقف التالي ذكرها ، فقيل ان كعب بن مالك كان مظهره عن بُعدٍ يشبه رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، ففضل أن يكون هدفاً لسهام المشركين في أُحُدٍ بدلاً من رسول الله . ولبس درع النبي وكان صفراء ، ولبس النبي درعه ، فجرح كعب بن مالك أحد عشر جرحاً ، وعندما ظن الناس أن الرسول قتل في أحد ، كان كعب أول من عرف أن النبي سالماً ، فقال : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر ، ولم يتمالك نفسه من الفرح ، فراح ينادي بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أبشروا ، هذا رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فأشار إليه الرسول صلّ الله عليه وسلم أن أنصت . وقدر رسول الله لكعب إيمانه وأمانته ، فولاه في السنة التاسعة للهجرة صدقات أسلم وغفار ، وقيل جهينة أيضاً ، وفي حجة الوداع بعثه ينادي في الناس بمنى : أن رسول الله قال : إنها أيام أكل وشرب وذكر الله ، فانتهى المسلمين عن صيامهم . وكان كعب يتقن الكتابة ، ويعرف الحساب ، فأرسله النبي ليعلّم حدود حرم المدينة ، قال : حرم النبي الشجر بالمدينة بريداً في بريد ، وأرسلني فأعلمت على الحرم على شرف ذات الجيش ، وعلى مشيرف ، وعلى أشراف المجتهر ، وعلى تيم . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إلى شعره وهو ينشد ، ويرتاح إلى ذلك ، بل ويطلب إليه أن ينشده ، يستعين بسماعه على السفر ، فقال ابن سيرين : بينما الرسول صلي الله عليه وسلم في سفره قد شنق ناقته بزمامها ، حتى وضعت رأسها عند مقدمة الرحل . إذ قال صلى الله عليه وسلم : يا كعب بن مالك أخد بنا فقال كعب : قضينا من تهامة كل حق .. وخيبر ثم أجممنا السيوفا .. نخيرها ولو نطقت لقالت .. قواطعهن دوسا أو ثقيفا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، لهيّ أشد عليهم من رشق النبل . كعب بن مالك ووفاة الرسول : وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى كان نبأ وفاته فجيعة كبرى لكعب ، ولغيره من المسلمين وأثارت قريحته فقال : فجعنا بخير الناس حياً وميتاً .. وأدناه برب البرية مقعدا .. وزفرت عيناه الدمع الساخن بل كان يستزيدها بإنشاده : يا عين فابكي بدمع ذرى .. لخير البرية والمصطفى .. وبكي الرسول وحق البكاء .. عليه لدى الحرب عند اللقا.. في عهد الخلفاء الراشدين : بعد أن توفي الرسول صلّ الله عليه وسلم كان كعب ممن حضروا السقيفة ، للتداول في أمر الخلافة ، فقال أبو ذؤيب الهذلي : فجئت السقيفة ، فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وجماعة من قريش ، ورأيت الأنصار ، وفيهم سعد بن عبادة ، وفيهم شعراؤهم حسان وكعب ، ولم يذكر المؤرخون كعب بعد هذه الحادثة . خلافة عثمان بن عفان : حتى تولى عثمان الخلافة ، فاستعمله على صدقة مزينة ، وعندما اشتعلت الفتنة لمع اسم كعب إلى جانب عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فواكب الفتنة من أولها إلى آخرها ، وكان ممن دافع عن عثمان في أشد ساعاته ، وبقي إلى جانبه حتى الرمق الأخير ، بل ظل على وفائه له حتى بعد استشهاده . فعندما توجه خمسمائة من المصريين إلى المدينة ، مظهرين أنهم يريدون العمرة ، علم عثمان أنهم لا يريدون العمرة بل يبغون الفتنة ، ثم رأى أن يستعين بالإمام علي رضي الله عنه ، فتوجه إليه في منزله وطلب منه أن يركب إليهم فيردهم ، وعاهده أن ينفذ ما يشير به عليه ، فركب علي رضي الله عنه ومعه من المهاجرين والأنصار وثلاثون رجلاً ، وفيهم كعب بن مالك فأتوا المصريين فكلموهم ، حتى انصرفوا راجعين إلى مصر . ثم تطورت الحوادث فعاد المصريين إلى المدينة ، واجتمع معهم كثيرون ممن لم ترق لهم خلافة عثمان رضي الله عنه ، وحاصروه في داره ، وتجمع الروايات أن كعب بن مالك كان من بين الموجودين في الدار من الصحابة وأبناءهم يدفعون الثوار عن عثمان . وشهر كعب سلاحه مع من دافع عن عثمان ، ولم يغمده إلا بعد أن ناشدهم عثمان أن يغمدوا سيوفهم ، وكان عدة من في الدار من المهاجرين والأنصار قرابة سبعمائة رجلاً ، ولو تركهم عثمان لمنعوه إلا أنه كان مسالماً آثر أن يفدي أرواح المسلمين بنفسه ، فقُتِل صابراً محتسباً . فقال أبي هريرة : إني لمحصور من عثمان رضي الله عنه في الدار ، فرمى رجل منا فقلت : يا أمير المؤمنين الآن طاب الضراب ، قتلوا منا رجلا ً ، فقال عثمان : عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك ، فإنما تراد نفسي ، وسأقي المؤمنين بنفسي ، وطلب رضي الله عنه ممن كانوا معه من أنصاره ، أن لا يقاتلوا مهما حصل . ورأى كعب بن مالك أن نصر عثمان في تلك الفتنة هو نصر لله ، فدعا الذين نصروا الله حين أيدوا الرسول ضد الكفر ، أن ينصروه ضد من يريد قتل خليفته الذي بايعه المسلمون ، فقال بن شهاب : بلغني أن كعب بن مالك قال يوم الدار : يا معشر الأنصار انصروا الله مرتين . وقتل حفيده عبد الله بن عبد الرحمن يوم الدار مع عثمان ، ولما قتل عثمان رضي الله عنه ، وقف كعب على مجلس الأنصار في مسجد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وأنشدهم شعراً يؤنبهم فيه على خذلان عثمان مطلعه : من مبلغ الأنصار عني آية .. رسلا تقص عليهم التبيانا.. وحينما أراد المسلمون دفن عثمان ، أبى عليهم القتلة ذلك ، فقرروا دفنه خفية ، و قيل استأذن في ذلك بعض رؤسائهم ، فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة ، فيهم كعب بن مالك الأنصاري . خلافة الإمام علي: وفي خلافة علي رضي الله عنه ، لا نجد لكعب بن مالك ذكراً هاماً ، فيظهر أن كعباً قضي بقية حياته في المدينة تاركاً الشام ، التي تردد عليها فترة أيام الإمام علي . وفاته : توفي كعب بن مالك ، في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، سنة خمسين ويقال سنة ثلاثة وخمسين ، وهو إبن سبعة وسبعين عاماً ، فيكون ميلاده بشكل تقريبي قبل الهجرة بسبعة وعشرون عاماً ، وكان قد عمي وذهب بصره في آخر عمره .

عرض المزيد

من تطبيق رسائل
احصل عليه من Google Play